اذا
كانت أحداث ( شيكاغو ) الامريكية هي الشرارة الأولى التي أضاءت الطريق لاحتفالات
العمال بعيدهم السنوي الذي تحول الى احتفال عالمي ، فأن الحكومات الأمريكية
المتعاقبة وحكومات البلدان السائرة في ركابها ، ومنذ الاعتراف بهذه المناسبة في
ثمانينات القرن التاسع عشر ، لازالت هي العدو الأول للطبقة العاملة العالمية ،
وكأنها تعمل على تحقيق الثأر من العمال ، على خلفية أنتصار القادة العماليين في
معركتهم ضد ارباب العمل في تثبيت الساعات الثمان ليوم العمل ، بدلاً من يوم العمل
المفتوح الذي كان معمولاً به ، والذي كان يقرره أصحاب الشركات وفقاً لمصالحهم ،
بجانب العوامل الاخرى المستفزة للمصالح الامريكية، التي تحقق أماني الشعوب في بناء
بلدانها على اسس الاستقلال واستثمار الثروات والحفاظ على تراثها الوطني وثقافاتها
النوعية ، بعيداً عن الهيمنة الاستعمارية بكل اشكالها ، علماً أن أمريكا لا تحتفل
بالأول من آيار عيداً للعمال خلافاً مع كل البشرية !!.
أن
واقع العراق الآن يمثل صورة واضحة لفلسفة الثأر الامريكية والغربية ، سواءاً في
زمن الدكتاتورية التي جندوها لخوض الحروب العبثية التي دمرت البلاد أو لما بعدها ،
حين تحول العراق الى ساحة للصراع الطائفي مدفوع الاثمان من دماء ابنائه وثرواته
ومازال ، وقد استنفذت المليارات من الدولارات وقوداً لاذكاء النعرات وتعميق
الخنادق ، بدلاً من ترميم النفوس واعادة بناء الوطن وتضميد جراح الشعب المبتلى
بقياداته واحزابها الطائفية .
بعد
كل هذا الخراب الذي فاق التوقعات ومازال يرتفع بمؤشراته الى نسب وارقام غير مسبوقة
، لم يعد مستساغاً للعراقيين الاحتفال بالاعياد ، بغض النظر عن اسمائها وعناوينها
ومغزاها ، وعيد العمال واحداً منها ، لأننا ( نحتفل ) بالمآتم لان معانيها تتفق مع
واقع احوالنا الغارقة في الهم والمفتوحة على المجهول ، ففي كل بيت نائحة ومصيبة ،
وفي كل نفس لوعة وأسى ، والقادمات ليس لها تكوين مفهوم لنستدل على أبوابها .
على
ذلك يكون من الانسب في العراق أن يسمى الاول من آيار يوماً للعمال وللعاطلين عن
العمل ، بدلاً من عنوانه المعروف ( عيد العمال ) ، بعد أن فقد عمال العراق نتيجة
القوانين والقرارات الجائرة التي سنتها وعملت بها الدكتاتورية الساقطة ، الكثير من
مكتسباتهم التي تحققت بعد ثورة تموز الخالدة ، وقد عملت السلطات المتعاقبة بعد ذلك
على تكريس العداء لكل ما يمت بصلة لحقوقهم ، وليس ادل على ذلك من بقاء العمل
بالقرار ( 150 ) لسنة 1987 ، وقانون التنظيم النقابي رقم ( 52 ) لسنة 1987 ، اللذين
يستهدفان العمل النقابي في مؤسسات القطاع العام ويوفران المناخ الموبوء للانتخابات
الصورية والتدخل السافر لأحزاب السلطة لتحقيق مآربها في السيطرة على المنظمات
المهنية بشكل عام ، والتنظيمات العمالية على وجه الخصوص ، بدلاً من توفير الضمانات
المفضية الى تشكيل قيادات مهنية ووطنية صادقة وأمينة على حقوق العمال ، لتكون
ساندة للقرار الوطني المستقل .
وتأسيساً
على ذلك ، لابد أن يكون للعاطلين عن العمل مكاناً وأفعال في هذا اليوم العظيم ،
فقد اقر الدستور العراقي الحق في العمل ، وهو واجب على السلطات توفيره للقادرين
عليه ، لكن السلطات انشغلت بمناهج ادارة تحقق لها ولأحزابها المكاسب على حساب عموم
الشعب وقواه الفاعلة ، وزيادة على ذلك كانت قراراتها واساليب تنفيذها مساهمة الى
حد كبير في زيادة ارقام العاطلين عن العمل ، سواء من حملة الشهادات الجامعية
الاولية او من خريجي المعاهد والاعداديات المهنية ، او من غير الخريجين ، بعد
زيادة عدد الجامعات تحقيقاً للمكاسب الانتخابية ، ناهيك عن قريناتها الاهلية التي
تحولت الى منافذ للكسب الاقتصادي ، دون حساب للمؤهلات والاعداد ، حتى بات عدد
الخريجين من حملة الشهادات في كل هذه القنوات ، يتجاوز الربع مليون سنوياً ، فيما
يعلن الوزراء وحكومتهم شحة التعيينات لعدم وجود تخصيصات مالية لها ، أي أن
الحكومات كانت ولازالت هي المسؤولة عن الزيادة في اعداد العاطلين عن العمل ،
وهؤلاء يعتبرون كوادر جاهزة للعمل لا تتوفر لها فرص لممارسته .
أذن
هي دعوة لكل عراقي فاقد للعمل ، أن يعتبر يوم الأول من آيار هو يومه الوطني ، الذي
يواجه فيه السلطات القائمة ويسائلها عن واقعه المتردي ، وعن اخفاقاتها في بناء
البلاد طوال سنوات ما بعد الدكتاتورية، جنباً الى جنب مع العمال ، لأن بالعمل وحده
تبنى الاوطان وليس بالأمنيات والشعارات وخطب القادة ووعودهم في الاحتفالات ، وهذه
الانشطة التي ليس لها علاقة بالبناء معروفة للعراقيين ، بعد خمسين عاماً من التجارب
التي كانت نتائجها وبالاً على الشعب ومازالت .
المجد
لشهداء الطبقة العاملة وشهداء الشعب .
المجد
لنضال العمال وعموم الشعب من أجل حياة أفضل .